بقيت الأسواق الرأسمالية في مجلس التعاون الخليجي منخفضة إلى حدٍ كبير على خلفية الاضطرابات السياسية في العالم العربي مع ورود المزيد من التقارير التي تفيد بتأجيل وتأخير عمليات الطرح العام الأولي. وأثرت هذه المخاوف الأولية على مناقشات التسعير الخاصة بالطرح العام الأولي، التي ساهمت في حالات التوتر في العلاقات المعلنة بين مجتمع البائعين والمستثمرين.
شهد النصف الأول من عام 2011 لعمليات الطرح العام الأولي نسبة أداءٍ بلغت أقل من المتوسط في مجلس التعاون الخليجي مع انخفاض عدد المتغيرات بنسبة 50 بالمائة ; بنسبة 4 اكتتابات مقارنة بثمانية في النصف الأول لعام 2010. كما تراجعت قيم الصفقات بنسبة 57 بالمائة لتسجل 358 مليون دولار أمريكي مقارنة بمبلغ 830 مليون دولار أمريكي تم جمعه خلال الفترة نفسها من العام الماضي. وتعتقد شركة بي دبليو سي(PwC)، الشركة الرائدة في مجال الخدمات المهنية بأن التراجع في النصف الأول من عام 2011 في كلٍ من عدد وقيمة الاكتتابات الخليجية يعكس حذر المستثمرين المستمر في ضوء الشكوك الاقتصادية العالمية الحالية التي ألقت بظلالها على طلب إصداراتٍ جديدة.
وبخلاف العام الماضي، حيث كان السوق المالي السعودي "تداول" يهيمن على نشاط الطرح العام الأولي في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، كانت بورصات دولة الإمارات العربية المتحدة الأكثر نشاطاً في المنطقة حيث قامت بإجراء ثلاثة من أربع عملياتٍ اكتتاب في النصف الأول من عام 2011 والتي تمثل 74 بالمائة من إجمالي رأس المال المجموع. قامت شركة إشراق العقارية، وهي شركة تعمل في قطاع العقارات بدولة الإمارات العربية المتحدة بجمع 225 مليون دولار أمريكي في سوق أبوظبي للأوراق المالية محققه 63 بالمائة من مجموع المبلغ الذي تم جمعه في دول مجلس التعاون الخليجي. اذ عملت شركة إشراق العقارية - المكتتب فيها بالكامل - بلفت انتباه عددٍ من المؤسسات الاستثمارية المحلية الكبرى بالإضافة إلى المستثمرين الخليجيين.
و في أيار (مايو) من هذا العام حققت الشركة السعودية للاتصالاتالمتكاملة ، وهي الشركة الوحيدة التي طرحت للكتتاب فيالسوق المالي السعودي -93 مليون دولار أمريكي ، وكان هذا الأداء في تناقصٍ حاد مقارنة مع الاكتتابات السبعة في النصف الأول من عام 2010، حيث تم جمع 685 مليون دولار أمريكي. شملت عمليتي الاكتتاب الأخرى في الإمارات خلال النصف الأول 18 مليون دولار أمريكي صادرة عن بيت التأمين، و 22 مليون دولار من قبل شركة الوطنية.
وعن نشاط الاكتتاب العام الأولي في السوق الإماراتية، علق السيد ستيف ديريك، المسئول عن الأسواق الرأسمالية بالشرق الأوسط لدى شركة PwC قائلاً: "لقد عملت عمليات الاكتتاب الثلاثة السابقة في دولة الإمارات خلال النصف الأول على وضع الخاتمة التي طال انتظارها لقلة عمليات الاكتتاب في أسواق الإمارات؛ وأبرزها الاكتتاب الذي قامت به شركة إشراق العقارية، وعلى الرغم من عملها في قطاعٍ يعاني من الركود الاقتصادي، إلا أنه يُـنظرُ إليها بمثابة معزز رئيسي للثقة لدى المستثمرين والشركات الأخرى التي تتطلع إلى الاكتتاب في القريب العاجل. كما شهدنا أيضاً الاهتمام المستمر في عروض الأسهم من قبل الشركات الإقليمية التي ترغب في إدراج أسمائها في الأسواق الدولية حيث هناك فوائد التقييم الملموسة في بعض القطاعات مثل النفط والغاز. نعتقد بأن هناك طلب محتجز لرأسمال الاكتتاب في السوق، إلا أن عملية التسعير الواقعية والنمو القوي تعتبر حاسمة في جذب اهتمام المستثمرين وطلب السوق.
وأضاف ديريك: "على الرغم من الهدوء غير العادي للسوق السعودية من حيث عمليات الاكتتاب في النصف الأول من 2011، وفقاً لما نشهده، فإننا نتوقع عدداً من عمليات الطرح من قبل "تداول" في النصف الأول. إلا أنه ومع قدوم شهر رمضان المبارك وفترة العطلة الصيفية، فمن المرجح أن تكون أواخر سبتمبر أو أوائل أكتوبر هي أقرب فترةٍ نشهد فيه عملية طرح عام أولي في السعودية".
لا تزال سوق الديون في دول مجلس التعاون الخليجي مستمرة في النمو مع تحسن نتائج نصف السنة الأولى مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي. وكانت العديد من قضايا الديون في النصف الأول من عام 2011 مرتبطة بالكيانات السيادية والحكومية ذات العلاقة ، ومن بين أبرزها كانت السندات والصكوك الصادرة عن مصرف قطر المركزي بقيمة إجمالية بلغت 13.7 مليار دولار أمريكي. وبالنسبة لأداء إصدارات الشركات على أساسٍ مستقل فقد كان مختلطاً خلال النصف الأول من العام، نظراً للأثر السلبي للاضطرابات السياسية في دول مجلس التعاون الخليجي، وخصوصاً خلال فترة شهري أذار و نيسان (مارس وأبريل). اذ استهدفت غالبية إصدارات ديون الشركات خلال النصف الأول من 2011 السوق الأوربي حيث أعرب المقرضون عن رغبتهم القوية المستمرة في السندات الخليجية، و تراوحت مدة حيازة تلك الإصدارات بين ثلاث إلى 15 عاماً ولم تكن هناك إصداراتٍ قصيرة الأجل.
لقد كانت قيمة أكبر إصدار الشركات للسندات خلال الفترة بقيمة 4.3 مليار دولار أمريكي، وكان من نصيب شركة الاستثمارات البترولية الدولية، والذي انقسم إلى 550 مليون جنيه إسترليني "عنصر لمدة 15 عاماً" وشريحتي يورو بقيمة 1.25 مليار بمدة حيازة تراوحت بين خمسة إلى عشرة سنواتٍ على التوالي. تراوحت القسيمة بين 4.875 في المائة و 6.875 في المائة.
كما و شملت الإصدارات التقليدية الرئيسة الأخرى إصداراً بقيمة 1.8 مليار دولار أمريكي من قبل شركة آبار للاستثمار - أبوظبي وتحمل معدل قسيمة بنسبة 4 بالمائة وحيازة خمس سنوات، وكان هناك إصدار بقيمة مليار دولار أمريكي من قبل طيران الإمارات ومقرها دولة الإمارات العربية المتحدة، بمعدل قسيمة بلغ 5.125 بالمائة وبفترة حيازة بلغت خمس سنوات.
وبالنسبة لسوق السندات، كانت إصدارات الصكوك مسيطرة عن طريق إصدارٍ بقيمة 9.1 مليار دولار أمريكي من قبل مصرف قطر المركزي. شملت الإصدارات الأخرى لصكوك الشركات في دول مجلس التعاون الخليجي إصداراً بقيمة 750 مليون دولار أمريكي من قبل البنك الإسلامي للتنمية، 500 مليون دولار أمريكي من قبل إعمار العقارية، 400 مليون دولار أمريكي من قبل مصرف الشارقة الإسلامي وإصداراً بقيمة 267 مليون دولار أمريكي من قبل بنك الجزيرة.
وأضاف ديريك: "تقدر قيمة سوق الديون بنحو تريليون دولار أمريكي على مستوى العالم، ومن المتوقع نمو التمويل الإسلامي بنسبة تتراوح بين 15 إلى 20 بالمائة سنوياً. وقد وفرت سوق التمويل الإسلامي للمقرضين نموذجاً مثمراً لتنويع مصادر دخلها عن النماذج التقليدية، وشهدنا أفضلية متزايدة لهذا النموذج من جانب القطاع المالي في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي. ومع الاقتراب السريع الخاص بمتطلبات إعادة التمويل للكيانات الإقليمية والاستقرار السياسي العائد إلى المنطقة، نتوقع أن نشهد مجموعة قوية من الإصدارات على المدى القريب. ومع ذلك، وكما نعلم جيداً، هناك اعتماد داخلي بين أداء سوق دول مجلس التعاون الخليجي والأسواق الدولية. عملت الديون السيادية للولايات المتحدة واليونان والدول الأوربية الأخرى بإرسال موجة صدمة في السوق الأوربية؛ ومع زيادة التقلبات المالية وخفض تصنيف المخاطر، يبقى أن نرى كيفية انعكاس ذلك على إصدارات الديون الخليجية